ضجيج وصراخ بمنـزل الجار المحاذي للوادي. تفقدتالأمر فإذا بأبناء الجار يتجادلون . لاشك أنهم يتهيئون لمواجهة الفيضان، ويتخذون التدابير كي لا يسرق منهم هذه المرة طفلا أو طفلين، مثلما يفعل كل سنة...
اقتربتُ من المنـزل فوجدت طفلا معلقا بالباب ...
-ما هذا ؟؟ .. سألت أحدهم .
إنه الطفل الذي نُعدّه قربانا للوادي كي لا ينقض علينا ..
ثم تابع الحوار مع إخوانه :
-هذا المنـزل سيصير قصرا فاخرا.. يقاطعه أخوه ...
-بل ناطحة سحاب...
-يجب أن تتنازل عن سلطتك في التصرف في البيت أيها الأخ السفيه. أنظر إلى صباغة جدران الجيران كيف تتلألأ بألوانها الرائعة، بينما لم تقم بصباغة كوخنا منذ زمن..يرد أحد الإخوان صارخا على الأكبر ..
-ليس لكم الحق في هدم المسكن الذي يؤوينا ، إن فعلتم فسأهدم غرفكم ...يصيح الأخ الأكبر.
لم يمض الجدال طويلا حتى قدِم أحد الإخوة وفي يده فأسا. ثم بدأ عملية الهدم...
سرعان ما التحق به أصحاب حلم ناطحات السحاب وقاموا بالهدم المريع..
تناثرث أشلاء البناء أمام مرأى معارضي فكرة الهدم، فقاموا بهدم غُرف الهدامين لعلهم يرتدعون...
التف حولهم أهل الحي فسألوهم إن كانوا يحتاجون المساعدة ..
-نحتاج إلى آلات هدم سريعة وفعالة، لكي نقنع معارضي الهدم بالأمر الواقع.. قال أحدهم..
انبرى صوت الأخ الأصغر: لكن أين سنبيت هذه الليلة؟؟
سؤال لم يخطر على بال أحد...
جمعت الأخوات حوائجهن سريعا، ثم رُحن يتوسلن المبيت عند جاراتهن.
بعد انتهاء الهدم، اكتشف الإخوان أن ما لديهم من مال قد يكفي لتأجير خيمة.
اقترح أحد المحسنين، أن يتضامن أهل الحي معهم بشراء القطعة الأرضية التي كان عليها الكوخ القديم. فيتمكن بذلك أصحابه القدامى من شراء مؤن وأغطية لمواجهة برد الشتاء.. وفيضان الوادي ..
وفعلا تمكنوا من مقاومة البرد. فقد استأجروا بُقعهم الأرضية من المشترين.
بعد أيام، مرّ الفيضان وسحب معه طفلا آخر غير الذي أعدوه له قربانا. فألقت الجماعة بالطفل الأول في قعر الوادي، إذ لا معنى لبقائه بينهم وقد أُعد سلفاً لهذا الغرض..
أما الجيران فلم يألوا جهدا في مساعدة الإخوة الذين يحلمون ببناء ناطحات السحاب، عن طريق مدهم بعصي لمجابهة إخوتهم الذين يلومونهم ...
وبينما هم في عراكهم اليومي، تنزل إخوتهن كل صباح من درج منـزل لتصعد درج منـزل آخر، بحثا عن الخبز المغمس بالشهوة..
- عن المجموعة القصصية " وعاد أبو جهل" للقاص عبد الله لحسايني
مشاركة