لست أدري ولكن يقال إن الصمت يتولد من الأدب أما السكوت فيتولد من الخوف
ويقال أيضاً الساكت عن الحق شيطان أخرس. إذن فالصمت لغة الحكماء... والسكوت لغة الجبناء.
لست هنا لأناقش المصطلح وإن صح ما ذكرته في سطوري السابقة فسأختار حتماً الحديث عن الصمت، ما يهمني هو الفعل نفسه.
الصمت رياضة. نعم رياضة.
إنها رياضة فكرية تحفظ لك توازنك وتجعلك تعود إلى ذاتك الداخلية بعيداً عن الأفكار المتزاحمة داخل عقلك.
الصمت يوقف للحظات وربما دقائق ثرثرة تفكيرك.
إن أمراضنا تأتي من تلك الأفكار التي تجعلك تعيش داخل كرة مضغوطة تكاد تنفجر، لاسيما في حياتنا التي نعيشها في الوقت الحالي.
حدثني عن عدد الأفكار التي تملأ رأسك؟
هل هناك عشرات الأفكار؟ مئات...؟
ربما ألوف!!
وحين أقول أفكار فأنا أعني كل شيء تفكر به من هموم ومشاكل ومخاوف وأفراح وأخبار وقلق ومنجزات وطموحات وخطط وأعمال تقوم أو ستقوم أو ربما لا تقوم بها...
هل رأيت حجم الزحام الذي يسكن داخل رأسك ليل نهار؟
فكيف تستطيع النوم الذي هو حق بدنك عليك في هذه الحال؟
بل كيف تنهض في صباح يوم جديد لابد وانه يضيف لك المزيد من الأفكار؟
باختصار شديد.
هذا العقل المكبل بالأفكار(تذكر ما أعنيه بالأفكار) هو بحاجة ماسة إلى تنظيف مؤقت من كل ما يخنقه ويحجب عنه الأوكسجين.
ذلك الصمت أو ما يسميه بعض الاختصاصيين(التأمل أو الاسترخاء) بمثابة الأوكسجين لأدمغتنا المسكينة.
إن الضغط الذي تعيشه عقولنا هو السبب في أمراضنا وهو السبب أيضاً في عدم اتخاذنا للقرارات السليمة في حياتنا وهو السبب في عدم رؤيتنا للأمور بمنظار سليم نظيف، إننا غارقون بالضوضاء الخارجية، كيف لنا أن نسمع داخلنا؟
إن روحك التي داخلك مثل بركة من الماء النقي الساكن التي من الطبيعي أن تتأثر بأبسط اضطراب ليهتز الماء داخلها ويتوتر.
هل تستطيع أن تتخيل كمية تلك الاضطرابات؟
أمر مهم ليس المجال هنا لشرحه ولكن دعني أضيفه إلى معلوماتك؛ وهو أن تلك التوترات والاضطرابات تحجب وتشوش أيضاً الإبداع والرسائل الروحية التي يحظى بها كل من يمارسون تلك الرياضة والتي اتفقنا أنها الصمت أو التأمل.
لا يمكن أن تجد مبدعاً أو عالماً لا يمارس تلك الرياضة.
نصيحة.. جرب من اليوم أن تجلس وحدك لنصف ساعة بل لعشر دقائق فقط وتوقف تفكيرك تماماً عن أي فكرة وربما يساعدك سماع موسيقى هادئة أو أصوات الطبيعة كصوت المطر والعصافير والأشجار وأمواج البحر أو من الممكن التسبيح بهدوء أو التأمل في شمعة مضيئة وسط الظلام...
الطرق كثيرة لتساعدك في التأمل أو الصمت وما يهمني في الوضع أن توقف تلك الثرثرة داخل فكرك.
جرب هذه الطريقة وكررها أكثر من مرة في اليوم.. جرب أن تحدد وقتاً ثابتاً لتلك الرياضة.. جرب أن تكون الصلاة وسيلة للتأمل وإحدى الطرق لإيقاف جميع الأفكار.
مارس ما شئت من طرق التأمل وانظر ماذا سيحدث لجسدك وفكرك وروحك.. وقراراتك.
بقلم : هدى السالم
ليست هناك تعليقات :