مسكينٌ أنتَ يا عرقوب، لقد اعتبرك الناس شاذاً
لأنك كنت تَعِد ولا تفي في عصرك، أما الآن وبعد موتك بدهور، فقد
انقلبت الموازين، وأصبح من يعد ويفي شاذاً في هذا العصر. ما أكثر العراقيب الذين يعيشون
بيننا، في البيت، في السوق، وفي المكاتب، وفي كل مكان تدخله تجد عرقوباً
ينتظرك،
ويملأ نفسك بآمال ووعود بلا رصيد: "تعال بكرة، هات لي الوصل
الفلاني، هات توصية من المكتب الفلاني، أنا مش فاضي الآن". وفي النهاية
كلها من نوع وعودك يا عرقوب.
التاريخ:
مسكينٌ أنت أيها التاريخ، لأنك لا تملك أمر
نفسك، ما أكثر الحقائق التي تُزيف باسمك، وما أكثر أعمال البطولة
التي تسجلها وتحفظها لنا لأُناس لَم يعملوها قَط، ومع مرور الزمن
تُلصقها بأسمائهم وكأنها من أعمالهم الحقيقية. إنك تكذب علينا أيها
التاريخ.
إنك أداةٌ جامدة نسجّل عليها ما شئنا من أباطيل، ونطمس بها ما شئنا من
حقائق، إن أكثر ما تنقله
لنا أيها التاريخ خاضع للميول والأهواء. وإننا لا نكاد نفتح صفحة من
صفحاتك إلا وتفوح منها روائح الأنانية والنرجسية، إنك لا تكتب تاريخ
نفسك أيها التاريخ، ولو كتبته لكشفت لنا عن صفحة الزيف والرياء التي
يلصقها بك بنو البشر.
إنك مغلوب على أمرك أيها التاريخ..!
الثعلب:
مسكينٌ أنت أيها الثعلب، قد تكون لئيماً،
خبيثاً، ماكراً، ولكنك ضعيف جبان، تفر وتقفز هارباً من أي حركة تسمعها.
ما أكثر الذين يشبهونك من البشر، ويتصفون
بصفاتك أيها الثعلب المسكين.. ولكنهم إلى جانب هذه الصفات الجميلة، من
مكرٍ وخُبثٍ ودهاء يمتلكون صفاتٍ لو امتلكتها أنت لأصبحت ملكاً لجماعة
الحيوان.
إنك لا تستطيع أن تلدغ، ولا تقتل القتيل وتمشي
في جنازته، وثعالبنا تستطيع ذلك بسهولة ويسر. أنت لا تذرف دموعاً
كاذبة لتستر بها بعض أفعالك الماكرة، أما ثعالبنا فتستعير دموع
التماسيح.
أين منك هذه الصفات أيها الثعلب المسكين، وصدقني لو أنّ الطبيعة
حَبَتْكَ بها لأصبحتَ سيّد الغاب بلا مُنازع.
الببغاء:
مسكينٌ أنت أيها الببغاء، فبرغم جمال ريشك الأخّاذ، وألوانك الزاهية
الجميلة، فإننا نستعير تقليدك
دون وعيً أو تفكير. قد يكون في تقليدك أنت نوع من العبقرية، يعجز
عنها سائر الحيوان، أما نحن فنردد ما نسمع بطريقة عمياء، دون ذرّة
تأمُّل أو تفكير.
ما أكثر الشعارات التي نرددها لا لسبب، إلا لأن
زيداً من الناس كان يقولها، وما أكثر الأعمال التي نعملها مُقلدين لا
مبتكرين.
وصدقني أيها الببغاء إن أكثر أقوالنا وكتاباتنا، ومعظم أعمالنا وتصرفاتنا،
ما هي إلا تقليد في تقليد.
وإن عَيّرك أحدٌ من الطيور بتقليدك، ففي بني
البشر لك أكبر عزاء.
الحمار:
أنت مسكينٌ وصبورٌ أيها الحمار، يصفونك
بالغباوة، ولكن غباوتك نابعة من طبيعتك وسليقتك الحمارية، أما نحن
فنتغابى مُتَصنعين، ونَتَبَالَهُ مُتكلفين. ونلبس ثوب الغباوة بعد أن
نعدم الوسيلة في نيل بعض المصالح الشخصية.
ما أكثر الذين ينتفعون من غباوتك أيها الحمار،
ولكنهم لا يذكرون هذا الفضل لك، وما أكثر الأصوات التي تشبه صوتك أيها
الحمار في غلاظتها ونشازها، ولكننا نقف لها مُصفقين.
لا تغضب بعد اليوم من غباوتك ونشاز صوتك أيها
الحمار، فلك إخوان من البشر يسيرون في مشارق الأرض ومغاربها. إنك لستَ
وحيداً أيها الحمار.
ليست هناك تعليقات :